العرف حاكم في القانون .."ظاهرة قضاء الشارع"


الأستاذ مصطفى اعليوي : طالب باحث   


بسم الله الرحمان الرحيم
  الموضوع: العرف حاكم في القانون .."ظاهرة قضاء الشارع"

لا أحد يجادل في الحرية الشخصية مالم  تتعارض مع حرية الفرد عموماً و المجتمع خصوصا،فالقانون يعتبر المصدر المباشر للتجريم و العقاب. عندما يصدر عن السلطة المختصة ،لتضع قواعد عامة و مجردة تطبق على الجميع، كما أن العرف يعتبر مصدر غير مباشر للعقاب؛ و يتجلى ذلك في إستنكار للفعل المخالف لطبيعة المجتمع
لكل إنسان  حريته الشخصية على اعتبار ان الأصل في الأشياء الإباحة، و الإستثناء هو تدخل القانون الوضعي بأوامر و نواهي ، يجرم الأفعال و يضع حدا بين الأفعال المشروعة و الغير المشروعة و هو ما يرمز له في القانون الجنائي، بمبدأ الشرعية و التجريم ، الذي تبناه و كرسه دستور 1 يوليوز 2011، و بما أن المغرب دولة إسلامية ذات سيادة كاملة متشبة بوحدتها و هويتها الإجتماعية ، و التي يتبؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيه، فلابد من انسجام و توافق بين القاعدة القانونية و الخصوصية الإجتماعية ،حتى يتقبل  الجزاء الردعي من لدن المجتمع، للحفاظ على كينونته و خصوصيته.  إلى أنه في الآونة الأخيرة توالت ظاهرة الجزاء المجتمعي أو ما يصطلح" بقضاء الشارع" في توقيع الجزاء على المعتدي على حق المجتمع العام ؛ مما يعيدنا إلى نظام القبيلة و الجماعة التي تنعدم فيها قوانين تنظم العقاب، و يبقى الجزاء العرفي هو الحاكم بالإضافة إلى عدم وجود مؤسسات سجنية، من شأنها أن تعيد للفرد حقه و للدولة سيادتها على الأفراد .إلى أنه مع تطور الزمان و ماعرفته البشرية من قوانين تستمدها من الدين و العرف ،و ظهور الدولة الحارسة و تعدد الأنظمة ،باختلاف الحكم فيها و ماتتمتع به الدولة من سيادة على الأفراد ،و إصدار قوانين تفصل بين ماهو مشروع و غير  مشروع،و تدخل المجتمع في توقيع الجزاء على المخالف عوض الدولة، يمكننا طرح الإشكالية التالية: إلى أي مدى استطاع المشرع الجنائي توقيع الجزاء على المخالف للنظام العام؟  و أين يكمن قصور السلطة المختصة حتى بات ما يصطلح عليه"بقضاء الشارع" يتدخل لتوقيع الجزاء عوض الدولة؟
لكل فرد حريته الشخصية مالم تتعارض مع  الطبيعة الإنسانية و الأخلاق الحميدة و  القانون الوضعي،مما يلزم جل التشريعات عامة ،بسن قواعد تنظم و تحكم الحقوق و الحريات، داخل قالب إجتماعي متوازن مراعي خصوصية المجتمع ،بمقاربة دينية إجتماعية تلائم المجتمع المطبق فيه، و المشرع المغربي لم يخرج عن القاعدة على اعتبار الدين الإسلامي و العرف المستمدة منه
 مما أفرز لنا نصوص تنظم و تحفظ ديمومة المجتمع . و منها تلك التي تنظم الجريمة و كيفية الجزاء الموقع عليها على اختلافها سواء تعلق بحقوق الأفراد او المجتمع
إلى أن واقع الحال يفرز لنا نصوص قانونية حبيسة الورق ،لا يتم تفعيلها سواء وجد تنافر بين النص التشريعي و الوعي الجماعي أم لم يوجد ، و العرف يحكم بكل مكوناته في النص التشريعي من أي جهة صادر منها حتى ولو  دستوريا، فإنه لا محالة سيتلقاه الأفراد بنوع من التقاعس، و يتم إهمال ليس فقط من قبل الأفراد ،بل حتى من المؤسسات المخولة لها تطبيقه،لتنافره مع طبيعة المجتمع. و تمهيدا لما سيأتي لابأس أن نسوغ أمثلة من الفصل 489 من قانون الجنائي الذي نادت بعض الجمعيات الحقوقية بحذفه معتبرة الشذوذ الجنسي حرية فردية؛ ضاربة بالأساس الطبيعة الإنسانية و الوازع الأخلاقي و الخصوصية الدينية للمجتمع المغربي.
وما واقعة شواذ بني ملال،التي مست المجتمع و تدخل ما سمي "بقضاء الشارع"  في توقيع الجزاء رغم وجود نص  يجرم الفعل. إلا أن قصور السلطة المختصة في ضبط الأمور، جعل الجزاء العرفي يصدر حكمه على الواقعة المطروحة، و إهمال حق الدولة في توقيع الجزاء.مما يوضح لنا قوة العرف على القانون
بالمقابل هناك نصوص سنها المشرع تهمل بصفة صريحة لعدم انسجامه مع المجتمع.و هذا واضح وجلي من خلال مقتضيات المادة 16 في فقرتها الأولى من مدونة الأسرة ،التي تعتبر الكتابة هي الوسيلة الوحيدة لإثبات العلاقة الزوجية، و ما تمديد دعوى سماع الزوجية لثلاث مرات،إلا خير دليل على تنافرها مع أعراف المجتمع؛و فشل النص القانوني في كبح زواج شرعي صحيح مستوفي ، لجميع أركانه و شروطه ،لعدم تأطيره في صياغة قانونية مكتوبة، داخل مجتمع يحكمه العرف خاصة العالم القروي. في الطرف الآخر نجد نصوص قانونية تجرم بعض الظواهر،لا يمكن الحد منها لإنها لا تعتبر جرائم في نظر المجتمع،  كما هو الشأن بالنسبة للفصل 326 من القانون الجنائي' يعاقب بالحبس من شهر الى ستة أشهر من كانت له وسائل العيش، و لكنه  تعود على ممارسة التسول'.فيا ترى ماهي الحالات التي بث القضاء فيها؟ فمثلاً هذا النص القانوني رغم صدوره عن سلطة تشريعية إلا انه لايطبق لتعارضه مع البيئة الصادرة فيه.
 وفي المقابل الآخر هناك نصوص تجرم بعض الأفعال التي يستنكره المجتمع إلا ان هذا الأخير يبادر لتوقيع الجزاء الجماعي على كل من تعدى على الحق العام، و ذلك لقصور الدولة بكل مكوناتها في تفعيل النصوص القانونية المتعلقة بحفظ النظام العام. و ما الأحداث التي توالت و تدخل المجتمع رغم تجريمه من السلطة المختصة ماهو إلا خير برهان لعقم الإنتاج.          و يبقى العرف الحاكم فوق القانون إذا كان يتنافر مع الواقع و البيئة التي يصدر فيها.
فالعرف يعتبر كذلك مصدر من مصادر التشريع الجنائي، فلا يمكن صدور قانون دون مراعاة طبيعة و خصوصية المجتمع ،و ما أحداث شواذ بني ملال و قبله مثلي فاس ،و تنورة انزكان تؤكد قوة الجزاء العرفي، رغم أن تدخل يبقى من حق دول بصريح الدستور فهي المسؤولة في تحديد توقيع العقاب ،إلا ان المجتمع يبقى فوق القانون كلما تعدى الحق العام و مس بالأخلاق الحميدة.            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

MarocDroit - موقع العلوم القانونية

القانونية

الأرشيف